المسحر في رمضان

يعرف المسحر في بلاد الشام بأنه الرجل الذي يقوم بعملية التسحير, وهي دعوة الناس لترك النوم لتناول الطعام قبل الفجر بساعة خلال شهر رمضان. ويستخدم المسحر طبلة شبيهة بالدف لكنها أصغر منه, ويستخدم بعضهم صفيحة معدنية ينقر عليها لإيقاظ الناس, ويطلق عليه الأشقاء في مصر المسحراتي.
والمسحر عادة لا ينام ليتمكن من القيام بعمله على الوجه الأكمل وإذا تأخر ذات ليلة فإنه يلقى عتابا شديدا, ويبدأ مع أول يوم من رمضان وينتهي مع نهايته, والتسحير عادة قديمة كان السوريون ومعظم الشعوب الإسلامية يحتاجون إليه حيث لم يكن هناك وسيلة لإيقاظهم.‏
ولا يزال المسحر يقوم بدوره حتى الآن في الأحياء الشعبية, ولاسيما تلك المحافظة منها, رغم تطور وسائل التنبيه كمكبرات الصوت في الأذان والمدفع, ورغم تغير تقاليد الناس كالسهر لمشاهدة التلفزيون حتى موعد السحور.‏
ولا يقتصر عمل المسحر على المدن الكبرى, فقد كان موجودا ولا يزال في كل القرى تقريبا, وأحيانا كان يأتي مسحر من فقراء المدن إلى قرية ويقيم فيها طوال شهر رمضان ليقوم بعملية التسحير, وقد يكون من أهل القرية وغادر إلى المدينة للعمل ويعود إلى بلدته في رمضان.‏
وفي المدن الكبرى كدمشق وحلب وحمص كان لكل حي مسحر أو أكثر حسب مساحته وعدد سكانه, وفي العصور السابقة كانت الحكومة تعلن عن تضمين الأحياء للمسحرين مقابل مبلغ من المال, وغالبا ما يتفق المسحرون على تقاسم الأحياء قبل التقدم بطلب ضمان الحي من الدولة, وقد غاب هذا التقليد بعد الاستقلال, وأصبح كل شخص يبحث عن حي بلا مسحر ليقوم بخدمته خلال رمضان.‏
يبدأ المسحر جولته قبل موعد الإمساك بساعة أو أكثر, يحمل طبلته ويضرب عليها بعصا خاصة‏
وأغلب المعاصرين ربما سمعوا نداء المسحر, وهو نداء متعارف عليه في كل المحافظات السورية وهو: (يا نايم وحد الدايم).‏
وفي دمشق كان المسحر ينادي أصحاب الدور بأسمائهم, فهو يعرفهم وهم يعرفونه, فيقف عند أبواب بعضهم ويصيح باسمه ليوقظه, يا أبا فلان, ويظل ينادي حتى يرد عليه أحد أصحاب البيت, وعند ذلك يقول له المسحر: (وحد الله), وإذا كان أحدهم لا يستيقظ بسرعة (نومه ثقيل) فعلى المسحر العودة إليه لإيقاظه, وغالبا ما تتم عودة المسحر بطلب من ذلك الشخص.‏
وكان للمسحر جولتان كل يوم إحداهما يومية تشمل كل الحي لإيقاظ الناس وقت السحر, والثانية قبل المغرب, و تشمل بعض الأحياء بالتناوب لجمع الطعام والمساعدات, ويصطحب معه في هذه الجولة مساعداً ليحمل سلة وبعض الأطباق لوضع ما تجود به العائلات من أطعمة, ويضطر لوضعها مع بعضها في طبق واحد أحياناً. لذلك يتردد على ألسنة الناس المثل الشعبي الذي يقول (مثل أكلات المسحر) لمن يضع في طبقه عدة أنواع من الطعام دفعة واحدة.‏
وبعد رمضان للمسحر جولتان أيضا, الأولى في عيد الفطر, لينال أجره وكان بعض الناس يرسلون إليه قبل فجر العيد زكاة الفطر, والجولة السنوية الثانية كانت في عيد الأضحى.‏
وغالبا ما كان الأطفال يجتمعون عليه وهو يدور على البيوت خلال العيد, وكان الأهل يكلفون أولادهم بإعطاء الأجر أو الصدقة للمسحر, ولكن بعض الأطفال كانوا لا يعطونه اجره إلا إذا سمح لهم بالنقر على الطبلة, وكانوا يجرون خلفه وهم يرددون بعض الأغاني وأشهرها:‏

أبو طبلة مرتو حبله‏

شوجابت ما جابت شي‏

جابت جردون بيمشي‏

عند ذلك ينهرهم المسحر ويرفع عصاه مهددا فيهربون من أمامه.‏
وبالعودة إلى التاريخ نجد أن وظيفة المسحر ظهرت في العصر العباسي, ويعتبر والي مصر عتبة بن إسحاق أول من طاف شوارع القاهرة ليلا في رمضان لإيقاظ أهلها إلى تناول طعام السحور عام 238 ه.‏
وعلى امتداد العالم الإسلامي اتخذ المسحرون أشكالا مختلفة, ففي عمان يوقظ المسحراتي النائمين على الطبلة أو بالناقوس وهو يقول يا نائمين الليل قوموا اتسحروا سحور.. يا مسلمين سحور يا صائمين.‏
وفي الكويت يقوم المسحراتي الذي يسمى أبو طبيلة بالتسحير ومعه أولاده فيردد بعض الأدعية وهم يردون عليه.‏
وفي اليمن يقوم بالتسحير واحد من الأهالي بالحي حيث يدق بالعصا على باب البيت وهو ينادي على أهله قائلا: قوموا كلوا, وفي السودان يطرق المسحراتي البيوت ومعه طفل صغير يحمل فانوسا ودفتراً به أسماء أصحاب البيوت حيث ينادي عليهم بأسمائهم قائلا (يا عباد الله وحدوا الدايم ورمضان كريم).‏






--------------------------------------------------------------------------------